بأقلامهم

الى الدولرة… در / لوسيان عون

بقلم ألمحامي لوسيان عون

يكاد لم يبق من ذكرى لليرة اللبنانية المنكوبة سوى ذاك الراتب الذي كان يحسده اصحاب المهن الحرة في لبنان وهو الذي كان كفيلاً بكسب القروض الدسمة ان لغايات شراء مسكن ام سيارة، يومها كان المصرف يلاحق العميل الى داخل مسكنه ويغدق العروض الخيرة عليه، يوم كان الدولار مستقراً يدعمه مصرف لبنان لعقدين من الزمن من جيوب المودعين ( على السكت) لكن كان هناك حركة إعمار وعجلة اقتصادية مزدهرة وبركة، بحيث يكاد لم يحرم الا القليل من اللبنانيين من السفر وشراء السيارات والمساكن بالتقسيط المريح كما التجار يستقرضون من المصارف بفوائد مقبولة قبل أن تتلقى الثقة بهذه الأخيرة رصاصة الرحمة.
اليوم وقد بلغت الازمة الاقتصادية أشدها، بتنا، شئنا أم ابينا نعيش وسط اقتصاء مدولر ،خارج منظومة المصارف بل على الكاش، من اصغر برغي حتى أضخم عقار، فاليد العاملة مدولرة وثمن الحاجيات مدولرة وفواتير المطعم مدولرة وفاتورة شركة التأمين والاستشفاء كذلك وقد باتت الليرة عملة مكروهة، وبات الدولار يشبه وجه السعد للبنانيين، يحسدون من يقتني العملة الخضراء في وقت باتت العملة الوطنية عبئاً عليهم.
كانوا يسمعون روايات اجدادهم ويقرأون في كتب التاريخ كيف انهارت اسواق البورصة العالمية في بعض الازمنة كما حدث عام ١٩٢٩ في نيويورك، وكما حصل في العديد من الدول كفنزويللا حيث بات المواطنون ينقلون عملة بلاده بالاكياس لشراء حاجياتهم، وقد وصلنا الى هذا الدرك، وبات ما في البنوك محتجز لا يمكن استخراجه الا بالقطارة، ان لم نقل تبخر بفعل ارتكاب الحكام ومن دار بفلكهم جراذم السلب والنهب بعيداً عن المحاسبة والمساءلة، بينما فقد المواطن الثقة بايداع ما يجنيه من عملات وطنية واجنبية في المصرف بعد الذي حصل عقب اندلاع الثورة.
اما اليوم فقد احتل الدولار عرش التعامل بين الافراد، وبين هؤلاء والشركات والمؤسسات الى ان انتقلنا الى عصر الملك ” الفريش” ، فلا تأمين الا ” بالفريش” وكذلك الطبابة والاستشفاء والصيانة والمازوت وحتى قطع الغيار….
انها على ما يبدو مرحلة انتقالية نحو الدولرة الكاملة بعدما كان قانون النقد والتسليف يعتبر العملة اللبنانية هي العملة الرسمية وهي ملزمة خلال الايفاء ومبرئة لذمة المدين تجاه الدائن…
لكن الافلاس بدّل وجه لبنان وطبيعة نظامه، فباتت العروض بالدولار والقبض بالدولار جهارة، ويا ليت تستبدل الدولة اللبنانية عملتها بالدولار، فيعرف متقاضو رواتبهم كم دولار يقبضون وكم دولار ينفقون بعيداً عن التسعير بالليرة اللبنانية واشكالات صرف العملة الاجنبية.
حان الوقت لاتخاذ قرارات مصيرية تحاكي المرحلة الحالية وتحد من انعدام ثقة المواطن والمستثمر والمغترب والتجار بالمصارف وتحديداً بالليرة اللبنانية التي اضحت كابوساً على هؤلاء بعدما شكلت قبل اندلاع الحرب الاهلية إحدى اقوي العملات العالمية، فلم ننس ان الدولار بقي لعقدين يساوي ليرتين وربع الليرة، وربما كان هذا الازدهار في ظل عهود قوية ذهبية هو الذي ارسى هذا الاستقرار بعيداً عن الهندسات المالية المشؤومة التي لم تكن سوى ستاراً لعمليات السلب والنهب والافلاس والتخدير التي ارستها المنظومة الحاكمة لايقاع المودعين في فخها.
قد تكون الدولرة في الوقت الحاضر حلاً مؤقتاً ريثما يتم وضع حد للانهيار المضطرد الذي تعيشه البلاد ،وليعرف المواطن اللبناني تكييف معيشته، الى حين الشروع في اصلاحات لم ينبلج نورها بعد طالما بات المخلص المزعوم هو السارق المجرم الباحث عن وسائل واساليب طمس جريمته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى