أخبار محلية

الهاتف “اللاسلكي” بات حلا لكثير من اللبنانيين بعد “دولرة” الاتصالات

 

بشير مصطفى

سياسة جديدة ستعتمدها شركات الهاتف الخليوي والثابت في لبنان بدءاً من الأول من يوليو (أ ف ب)

عاد الدولار ليحكم تسعيرة الاتصالات في لبنان مع السياسة الجديدة التي ستعتمدها شركات الهاتف الخليوي والثابت بدءاً من الأول من يوليو (تموز). وسيقود اعتماد منصة صيرفة كآلية لتسعير الدولار إلى ارتفاع كبير في أسعار الخدمات، فيما استبق أكثرية من المواطنين الخطوة بالشكوى والتحذير من حرمان العامة من الحق بالتواصل، ذلك أن الأسعار المدولرة تشكل عبئاً كبيراً على الشريحة التي تتقاضى أجورها بالعملة الوطنية، كما أنها تزيد كلفة الشحن على الطلاب وأصحاب الأعمال الصغيرة.
هذه المرة، قاربت السلطة الإجراءات بحذر، بعد أن شكلت في العام 2019 ضريبة 6 دولار على الاتصالات عبر تطبيق “واتساب” شرارة لانطلاق احتجاجات شعبية واسعة، ولكن ذلك لم يلغِ حال السخط لدى المواطنين الذين باتوا ينظرون إلى “الخدمات المدولرة” كسلعة خاصة بالطبقة الميسورة دون غيرها، ما يحتم على عدم المقتدرين الاشتراك بحُزم قليلة الخدمات وعديمة المزايا.
حلول مؤقتة… المجد لـ”التوكي ووكي”
لطالما اشتُهر اللبناني بإيجاد حلول “يتحايل” فيها على القيود المستحدثة، فها هو “الهاتف اللاسلكي” و”التوكي ووكي” يعود إلى الواجهة. وهذا الحل السحري للمكالمات المتحركة والبعيدة الأمد في التسعينيات، عادت بعض المحال للترويج له، فيؤكد أحد أصحاب المتاجر أن “هذه التقنيات لا تحتاج إلى شبكة، أو جهاز تقوية، أو وصلة بالطاقة”، ويمكن أن تؤمن التواصل بين 3 و10 كيلومترات، يقدر ثمنها بحوالى 79 دولاراً، ما يُغني عن شبكة الاتصالات، وهذه لا تحتاج إلى ترخيص لأنها  Low frequency، كما يتمتع هذا الحل بمزايا عدة على غرار الأمان وصعوبة اختراق الاتصال بسبب وجود عدد كبير من الموجات. ويؤكد التاجر أنه باع عدداً كبيراً من الأجهزة خلال الفترة الأخيرة، وأنها لم تعُد تستخدم في المنشآت الصناعية وإنما للتواصل المباشر بين الأشخاص شرط عدم وجود سنترال بينهما.
كما توجد أجهزة أخرى تؤمن التواصل وفق تقنية High Frequency، لا تحتاج إلى مركزية للتلقي أو رخصة، ويمكن أن تؤمن التواصل لغاية 20 كيلومتراً ولكن تبلغ كلفتها 280 دولاراً للزوجين، وهذا الجهاز لا يتعرض للتشويش من قبل سنترالات شبكة الهواتف الأرضية.
في المقابل، برزت محاولات البعض للالتفاف على القرار وتأجيل وطأته عليهم من خلال “شحن خطوطهم المسبقة الدفع لفترة زمنية طويلة وفق التسعيرة القديمة”، أو “الاشتراك بحُزم الإنترنت بعيدة المدى”. ولكن في مطلق الأحوال، لا تُعتبر هذه الإجراءات إلا تأجيلاً للأعباء المادية التي سيتحملها المواطن عاجلاً أم آجلاً. وبين هذا وذاك، يبتدع لبنانيون حلولاً على سبيل النُكات التي تراوحت بين “العودة إلى الحمام الزاجل”، أو اغتنام الفترة الفاصلة عن رفع التعرفة بتنزيل عدد كبير من ألعاب متجر الهاتف للتسلية في أوقات الفراغ. بين هذا وذاك، بدأ بعض مشرفي مجموعات “واتساب” بنشر قوانين جديدة للمحادثات من قبيل “الحض على عدم الخوض في النقاشات، أو إرسال كثير من الرسائل، أو حتى تحديد أوقات معينة لاستخدام الإنترنت”.
هذه الأمور وإن دلّت على شيء إنما تدل على تخوف اللبنانيين من عدم القدرة على تأمين نفقات الهاتف، في وقت بدأت المفاضلة بين ما هو أساسي وما هو أقل أهمية بسبب التهديد المباشر الذي تعرض له رغيف الخبز، واللجوء إلى التقنين في كل حاجاتهم.
وزير الاتصالات: “لا حل إلا برفع التسعيرة”
ومنذ تشكيل الحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي (أي حكومة تصريف الأعمال حالياً)، يُصر وزير الاتصالات جوني قرم على إعادة النظر بتسعيرة الهاتف “لأن لا خيار آخر من أجل تأمين استمرارية القطاع”. ويؤكد قرم لـ”اندبندنت عربية” أن “التسعيرة الأصلية كانت على الدولار ولكن وفق السعر الرسمي 1500 ليرة لبنانية، واليوم تعود لتعتمد على دولار صيرفة 25200 ليرة، بعد تقسيمها على ثلاثة، وليس المهم كيفية التسعير وإنما كيفية قبض الفاتورة. بالتالي سنقبض الفاتورة باللبناني وفق منصة صيرفة”.
ويتحدث قرم عن أسباب موجبة لهذا القرار “لأن فارق سعر الصرف أدى إلى تدني مداخيل قطاع الاتصالات بشكل كبير. فبعد أن كان الدخل مليار و400 مليون دولار، هبط الدخل إلى 70 مليون دولار فقط بفعل تراجع قيمة الليرة اللبنانية 20 ضعفاً مقابل الدولار”، مضيفاً “أن كلفة المازوت تبلغ 38 مليون دولار، كما أن كل مصاريف التجهيز والصيانة باتت بالدولار الفريش، لأن الشركات الأجنبية كافة من ’إريكسون‘ و’هواوي‘ و’نوكيا‘ تطالبنا بالدولار الفريش، ولا يختلف الأمر عن شركات الصيانة المحلية”.

يتحدث قرم عن حزم مسبقة الدفع للفئات محدودة الدخل التي يمكنها الاختيار بين بطاقة 4.5 دولار وبطاقة 7 دولارات، كما أن خدمة الإنترنت العادي ازدادت تعرفتها وإنما بدرجة أقل من الخليوي”. كذلك يوضح أن الوضع القانوني لشركات الخليوي يحول دون حصولها على سلف من خزانة الدولة على خلاف “أوجيرو”. ويقول “شركتا ’ألفا‘ و’تاتش‘ عرضة للإفلاس في حال عدم رفع الأسعار”، مشيراً إلى أن “جميع الأرباح التي حققتها الشركات في السابق، تم تحويل الفائض عن المصاريف التشغيلية إلى وزارة المالية، وعليه فإن الأرباح كافة ليست لدى الشركات أو في حساباتها المصرفية بل في المالية، والأموال باتت في خبر كان وصرفت لتسيير مرافق الدولة. ومن هنا، لا يمكن للشركات الاستفادة من المداخيل السابقة في المطلق”.
كما ينبّه قرم إلى النجاح في تخفيض مصاريف القطاع التي كانت تبلغ 560 مليون دولار، لتصبح 255 مليون دولار، ولكن توفير المصاريف لا يكفي عندما تتدنى المداخيل عشرين ضعفاً.
ويشدد على أهمية الحفاظ على بعض الحزم الاستثنائية مثل خدمة الجامعات والعسكر وذوي الاحتياجات الخاصة من خلال قسمة الكلفة السابقة على ثلاثة ومن ثم اعتمادها وفق سعر صيرفة، مؤكداً أن أسعار جميع الحُزم منشورة على الموقع الإلكتروني من أجل الشفافية.
الاستمرارية قبل الاستثمار
وتقود الطروح السابقة إلى استنتاج مفاده بأن الأولوية حالياً هي لتأمين استمرارية القطاع قبل تحسين الخدمات وتطوير الاتصالات نحو الجيل الخامس. هذا الأمر لا ينفيه قرم لأن “استمرارية القطاع وإعادته إلى سابق عهده في 2018 هي الأولوية، إذ خلال الأعوام الثلاثة الماضية لم تصرف الدولة ليرة واحدة على الاستثمار، وكل ما هناك كان عبارة عن مصاريف تشغيلية”. ويلفت إلى أن “الوزارة لم يكُن لها حق قانوني بأي مصاريف استثمارية، لأن التعديل القانوني جعل المصاريف الاستثمارية الجديدة رهينة موافقة مجلس الوزارء”، بالتالي تم تقييد القدرة على تطوير القطاع من خلال تكريس الروتين الاعتيادي للقرارات الحكومية.
وحول استعداد “أوجيرو” لإطفاء سنترالاتها بسبب نفاد الوقود، يبشّر قرم بالوصول إلى تسوية مع وزارة المالية من خلال موافقة استثنائية للحصول على اعتمادات مالية لدفع ثمن المازوت لتشغيل المولدات وتأمين استمرارية شبكة الاتصالات الأرضية.
مناطق الأطراف في عزلة؟
وفي موازاة ذلك، تعيش مناطق الأطراف حالاً من العزلة، لا سيما في الشمال والهرمل بسبب الانقطاع الكلّي أو الجزئي لشبكتَي الإنترنت والاتصالات لأوقات طويلة من النهار. وحول أسباب انقطاع خدمتَي الإنترنت والاتصال، يشير قرم إلى أنه “لا يمكن تعميم السبب، لأن المشكلة تختلف بين المناطق، ولكن في مطلق الأحوال يعود السبب في ذلك إلى غياب الإنفاق الاستثماري أو تطوير في الشبكة، وكنا نعتمد الحلول الترقيعية بحيث ننقل المعدات من مكان إلى آخر، ولذلك كانت هناك ضرورة لتعديل التعرفة لعدم بلوغ مكان غير مُستحب. على سبيل المثال، كنا نضطر إلى نقل المولد الكهربائي من محطة تشغّل 100 مشترك، إلى أخرى تشغل 100 ألف مشترك، بالتالي استثمار الموارد المتاحة لخدمة أكبر عدد من المستفيدين”.
أما في ما يتعلق بدخول الشبكة السورية على الخطوط اللبنانية، فيجيب الوزير جوني قرم “منذ 3 أشهر، قمت بتفعيل اللجنة المشتركة مع الجانب السوري لمعالجة قضية طغيان الشبكة السورية داخل المناطق اللبنانية في الأطراف، لأن ذلك يخالف القوانين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Advertisements