أبرز الأخبار

التفاهم بين عون والحزب يترنّح… متى تبدأ المعركة؟

انكسرت الجرّة. كلمتان تختصران واقع حال طرفَيْ تفاهم مار مخايل. لم يعد الكلام عن ذلك في الكواليس فقط، بل أصبح كلاماً علنيّاً لا يُخفيه أيّ من الطرفين. والجلسة الحكومية الثانية المُزمعة التي سيشارك فيها وزراء حزب الله قد تكون لحظة “الطلاق المُقنّع” الذي سيعبّر عن ذاته بسيل التصريحات التي ستتدفّق من الجانبين. وسيحصل هذا على مبعدة أيام من ذكرى تفاهم بين الاثنين غيّر وجه المشهد السياسي اللبناني طوال سبعة عشر عاماً.

خاتمة التحالف.. جلسة الحكومة

بدا لافتاً تأجيل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي دعوته إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء التي كان من المفترض أن تُعقد غداً الإثنين. وفي معلومات “أساس” أنّ ميقاتي مستاء من التسريبات الإعلامية لحزب الله عن شروط وضعها الأخير للمشاركة وإلا فإنّ وزراءه سينسحبون. حاول الحزب من خلال هذه التسريبات القول إنّه يراعي موقف حليفه المسيحي، لكن أيضاً “محكوم بمطالب الناس”.

بحسب مصادر مطّلعة على ملفّ “تفاهم مار مخايل” فإنّ الحزب كان يرمي من هذه المناورات الإعلامية إلى “محاولة ترميم الجرّة” مع التيار العوني، “لكنّه لم يفلح بسبب تصلّب الأخير ورفضه انعقاد أيّة جلسة حكومية واعتماد المراسيم الجوّالة”. ونقل عن الرئيس السابق ميشال عون خلال استقباله الأصدقاء في منزله الجديد أنه سيقلب الطاولة على الجميع في حال انعقاد جلسة لمجلس الوزراء أياً كانت المبررات.

أجّل ميقاتي الدعوة إلى يوم الإثنين والانعقاد إلى منتصف الأسبوع المقبل. وسيكون على جدول الأعمال مجموعة من البنود المتعلّقة بالكهرباء وغيرها. وقد تكون أبرز الدلالات في سياق قراءة “الطلاق المُقنّع” بين الطرفين هي ما خرج من “لجنة المؤشّر” التي اجتمعت مع وزير العمل المحسوب على الحزب مصطفى بيرم الذي تقصّد أن يقول أمام وسائل الإعلام إنّ مرسوم رفع الحدّ الأدنى للأجور بحاجة إلى جلسة حكومية “والمعرقلون يتحمّلون المسؤولية أمام الرأي العامّ”. طبعاً كان وزير العمل يقصد أنّ المعرقلين هم التيار الوطني الحر.

ما يؤكّد هذه الوجهة قول مصادر في الحزب لـ “أساس” إنّ “حزب الله أوضح وجهة نظره، والإكثار من التوضيح أصبح من دون جدوى”. أمّا عند التيار فإنّ “الجرّة انكسرت، وكان البحث جارياً في إمكانية جمعها. إلا أنّ الجلسة الثانية ستقضي على كلّ محاولة لإعادة وصل ما انقطع”. إذاً الطلاق الفعليّ وقع إذا ما بقيت الوقائع السياسية على راهنها حتى منتصف الأسبوع المقبل موعد انعقاد الجلسة الحكومية المزمعة.

وليس دقيقاً ما تردّد عن لقاء سيجمع النائب جبران باسيل مع مسؤول التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا، ولا استعدادات له حتى الساعة. وقد اقتصر التواصل الأخير بين الرجلين على اتصالات عايد فيها صفا باسيل لمناسبة الأعياد وتحدّث باسيل إلى صفا للاطمئنان إلى صحّة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد إلغاء خطابه بسبب إصابته بالإنفلونزا، قبل أن يعود ويطلق خطاباً متلفزاً.

لقد أصبح حجم الخلاف بين الطرفين كبيراً لدرجة تقصّد معها النائب عن التيار الوطني الحر جيمي جبور المقرّب من باسيل القول إنّنا “نقرأ جيداً في رسائل الحزب الذي لم يرسل وفداً لوداع ميشال عون يوم خروجه من قصر بعبدا”. فبالنسبة إلى التيار، يبدو أنّ “الحزب غيّر استراتيجيّته في الداخل بعدما قال نصرالله إنّ المقاومة ليست بحاجة إلى غطاء من أحد”. على هذا تصدّر سؤالٌ المشهد: “هل انتفت حاجة الغطاء فانتفت حاجة الحزب إلى حليفه المسيحي؟”. سؤال يطرحه العونيون في معرض حديثهم عن حجم وطبيعة الخلاف مع الحزب.

مجلس الوزراء وتوقيع وزير الطاقة

فيما يُرجّح أنّ الجلسة الحكومية أصبحت بحكم المنعقدة، تتحدّث معلومات عن سفر وزير الطاقة وليد فياض لكي لا يحضر ولا يوقّع على المرسومين المتعلّقين بالكهرباء وسينوب بالتوقيع عنه هكتور حجار وزير الطاقة بالولاية، فهو سبق أن وقّع على المرسوم الاستثنائي الذي أصدره ميقاتي وتراجع عنه بعد رفض وزير المال التوقيع عليه “بإيعاز من الرئيس نبيه برّي”، كما يقول نواب التيار علناً.

في معلومات لـ”أساس” أنّ ميقاتي قد يسلك مسار “مخرج” المرسوم الاستثنائي السابق المتعلّق بالمساعدات المقدَّمة للعسكريين الذي وقّعه وزير الدفاع موريس سليم، فيتمّ نقل توقيع فياض من المرسوم الاستثنائي إلى المرسوم الذي سيصدر عن مجلس الوزراء مجتمعاً.

في الأسبوع المقبل ستنطلق حفلة تراشق جديدة. سيقول كلّ من الطرفين ما له. سيعلن الصخب السياسي انتهاء حقبة التفاهم الماضية، وستبدأ مرحلة لن تخلو من صدامات سياسية. فمتى تبدأ المواجهة بعدما خطّط كلّ من الفريقين للخطة “ب” الرئاسية؟ ولن تقتصر المواجهة على الرئاسة.
تشابه في الأزمة واختلاف في طوق النجاة

في قراءة مسار العلاقة بين حزب الله والتيار، يجد كلّ من تعاطى الشأن العام يوماً أنّها علاقة مصلحيّة في أفضل أحوالها منذ أن وقّع نصرالله ورئيس التيار يومذاك ميشال عون ورقة تفاهمهما في كنيسة مار مخايل.

منذ ذلك الحين لم يكن لقاؤهما نتيجة التقاء على رؤية سياسية اجتماعية، بل كان لقاء مَن طوّقته السياسة المحلية والدولية حينئذٍ.

قبل 6 شباط من عام 2006، كان العماد عون مستبعَداً سياسياً من تحالف رباعي شكّلته أحزاب القوات والاشتراكي وحزب الله وحركة أمل. خاض هذا التكتّل انتخابات عام 2005 ضدّه، وحاول إقصاءه بكلّ ما في السياسة من سبيل. بعد فشل مسعى التكتّل ونجاح عون في حصد تمثيل نيابي وازن يمثّل أرجحيّة، اشتدّ الحصار عليه وأُقصي عن التمثيل الوزاري، فأصبح محاصَراً في الداخل على الرغم من حصوله على سبعين في المئة من تأييد الشارع المسيحي.

في التاريخ عينه كان حزب الله يعيش أسوأ كوابيسه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فتحوّل إلى متّهم يواجه محكمة دولية ومحكمة داخلية سياسية وشعبية وإعلامية وضعته في زاوية الاتّهام.

هكذا تقاطعت مصالح الطرفين، فالتقيا يومذاك في كنيسة مار مخايل وتفاهما بصفتهما الأكثر تمثيلاً في طائفتَيْهما على تسلُّم السلطة في البلد يداً بيد، وعقدا تحالفاً أُطلق عليه اسم قدّيس هو حتماً براء ممّا حصل في صالون كنيسته.

المصيبة لم تعد تجمع

اليوم بعد مرور سبعة عشر عاماً من مسار عاش على “انتصارين”، أوّلهما في حرب تمّوز، وثانيهما مع وصول عون إلى بعبدا، دخل الفريقان مجدّداً في أزمة متشابهة: حزب الله يواجه سياسة دولية وإقليمية أكثر تصلّباً، وباسيل يواجه طوقاً داخلياً ودولياً متوّجاً بعقوبات أميركية لها تداعيات عليه وعلى عائلته، وقد تقضي على مستقبله السياسي.

غير أنّ هذه اللحظة مختلفة حتماً، فاشتراكهما في الأزمة لن ينتج عنه تفاهم آخر لأنّ كلّاً منهما له طوق نجاة مختلف. حزب الله يحسب الحساب للأيّام السوداء الآتية عليه حتماً ويعدّ العدّة بالتمسّك بانتخاب رئيس “لا يطعنه بظهره”، وباسيل يعدّ العدّة للقفز من المركب الغارق بعدما فتحت له دولة قطر باب النجدة.

لم يعد يخفي باسيل ونوّاب التيار افتراق المصالح بين التيار والحزب، وآخِرة المحطّات جلسة مجلس الوزراء.

جوزفين ديب – اساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى