أبرز الأخبار

إجراء غير مسبوق بحق محامية : منعها من دخول حرم المحكمة العسكريّة طوال ٣ أشهر والسبب ؟

اعتداء على استقلالية المحامي وحقوق الدفاع

Almarsadonline

أصدر رئيس المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت، العميد علي الحاج، الأسبوع الماضي قراراً بمنع المحامية هلا حمزة من الدخول إلى حرم المحكمة لمدّة ثلاثة أشهر، على خلفية نقاش حصل بينها وبين قضاة المحكمة دفاعا عن موكلها.
وكانت حمزة طلبت في الجلسة المنعقدة في 26 أيلول 2022 من المحكمة بتّ الدفع الشكلي الذي تقدّمت به بوقف محاكمة موكلها “المدني” لكونه محكوماً سابقاً في القضية نفسها. وقد رفضت المحكمة البت بالطلب وبررت المستشارة المدنية في المحكمة القاضية ليلى رعيدي عدم إصدار القرار بوجوب اكتمال الخصومة، أي بوجوب حضور أو استكمال تبليغ جميع المدعى عليهم الذين يحاكمون في الملف، وهو أمر قد يستغرق وقتاً طويلاً. اعترضت حمزة على ربط القرار باكتمال الخصومة، وصرّحت بالحرف وفق قولها: “شو أنا ما بعرف بالقانون؟ مين قال لازم تكتمل الخصومة؟” مشدّدّة على أن قبول الدفع سيؤدّي إلى إطلاق سراحه فوراً. وأمام إصرار حمزة على الطلب من المحكمة توضيح السند القانوني لاشتراط اكتمال الخصومة، تدّخلت معاونة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضية منى حنقير معتبرة أن ما تقوله حمزة يشكّل إساءة للمحكمة.
في اليوم التالي للجلسة، وأثناء خروج حمزة من المحكمة العسكرية، أعلمها شفهياً أحد العناصر العسكرية بوجود قرار يمنعها من الدخول إلى حرم المحكمة لمدة ثلاثة أشهر. لم يتم إبلاغها خطياً بالقرار ولم يتم منحها صورة عنه، في مخالفة واضحة لحقوقها بالدفاع.
هذا التطوّر الخطير يستدعي ملاحظات عدة، أبرزها الآتية:
1- سيف “المادة 59” المصلت على المحامين وحق الدفاع أمام القضاء العسكري
استند رئيس المحكمة وفق حمزة في قراره على المادة 59 من قانون قضاء العسكري التي تمنحه صلاحية “أن يمنع المحامي من دخول المحكمة العسكرية لمدة أقصاها ثلاثة أشهر إذا ارتكب خطأ مسلكياً جسيماً قبل المحاكمة أو في اثناء الجلسات“. وتُعتبر هذه المادة أحد أبرز أسباب فقدان ضمانات المحاكمة العادلة أمام القضاء العسكري كونها تشكّل خطراً جسيماً على حقوق الدفاع ومهنة المحاماة والحصانات المنوطة بها. فهي تمنح رئيس المحكمة سلطةً تأديبيةً خلافاً لمبدأ حصر صلاحية تأديب المحامين في المجالس التأديبية المنشأة داخل نقابتهم تحت إشراف محكمتيْ استئناف بيروت وطرابلس. هذا فضلاً أن المحامين لا يُسألون عمّا يصدر عنهم من مرافعات وفقاً للمادة 74 من تنظيم مهنة المحاماة سنداً لحق الدفاع المقدّس.
علاوة على ذلك، لم يتضمن قرار المنع أي تعليل لأسبابه. أما حمزة، فاعتبرت أن النقاش الذي حصل بينها وبين القاضية رعيدي لم يتجاوز حدود الدفاع عن موكلها ولم يتضمن أي اساءة للمحكمة، معتبرة أنه لا يعدّ بأي حالة خطأ جسيماً يستوجب منعها من ممارسة عملها. واعتبرت أنه، على فرض أنها أساءت للمحكمة، لماذا لم ينظّم رئيس المحكمة محضراً بذلك لكي يتسنّى لها الدفاع عن نفسها؟ وهل يستحق تصرّفها المدة الأقصى التي ينص عليها القانون، في إشارة منها إلى مخالفة مبدأ التناسب ما بين خطورة الفعل والعقوبة؟
2- المحكمة تتجاوز نصّ المادة 59: منع الدخول إلى “حرمها”
بالإضافة إلى ذلك، يتبيّن من القرار أن رئيس المحكمة لم يكتفِ بتطبيق نصّ المادة 59. فهو لم يمنع حمزة من حضور جلسات المحكمة العسكرية فحسب، بل منعها من دخول كامل حرم المحكمة الذي يضمّ دوائر مختلفة للقضاء العسكري. ومؤدّى هذا القرار هو منع حمزة من حضور جلسات موكّليها أمام محكمة التمييز العسكرية ومن متابعة ملفاتهم أمام النيابة العامّة العسكريّة وقضاة التحقيق أيضاً، بما قد يؤدي في حالات عدة عزلاً لوكالتها عنهم.
وكانت قد سجّلت سابقة حديثة لاستخدام المادة 59 في أيلول 2017 في محاكمة الشيخ أحمد الأسير في قضية “أحداث عبرا” حيث نقلت وسائل الإعلام عن رئيس المحكمة العسكرية آنذاك حسين عبد الله أنه لن يسمح لوكلاء الأسير بعد الآن “بالدخول إلى حرم المحكمة بصفتهم وكلاء عن الأسير” تبعاً لانسحابهم من الجلسة اعتراضاً على رفض طلباتهم. وفي حين طال هذا المنع “حرم المحكمة” أيضاً، إلا أنّه جاء محصوراً في قضية معيّنة، ما سمح للمحامين بمتابعة أعمالهم في القضايا الأخرى.
والواقع أن مجرّد استخدام القرار لتعبير “حرم” في وصف المحكمة العسكرية يقبل النقد، كونه يعكس مقاربة لمقرّها على أنه مقرّ خاص أو حكر لا يدخله إلا من يجاز لهم بذلك بإرادة صاحب المكان. ومن شأن ذلك أن يشكل انتقاصاً جديداً من مفهوم “المرفق العامّ” أو الإدارة العامّة. ومن هذه الزاوية، يشكل هذا القرار الذي لا يستند إلى أي نصّ قانوني تعدياً غير مبرر على حرية ولوج مكان عامّ.
3- أي حماية للمحامين ضد تعسّف المحكمة العسكرية؟
سارعت حمزة إلى ممارسة حقها بالطعن بالقرار بالرغم من أنها لم تتبلغه رسمياً. فتقدّمت يوم الجمعة في 30 أيلول عبر محاميها باستئناف أمام محكمة التمييز العسكرية قبل انقضاء مهلة ثلاثة أيام من علمها بالقرار حفظاً لحقها. كما أُبلغت نقابة المحامين في بيروت بقرار المنع، ولا تزال حمزة تنتظر صدور قرار من محكمة التمييز برئاسة القاضي جون قزي والاجراءات التي ستتخذها النقابة لحماية حقها بممارسة عملها.
ويجدر التذكير في هذا المضمار بالقرار الصادر بتاريخ 1 نيسان 2014 عن مجلس شورى الدولة في قضية المحامي أديب زخور ضد الدولة اللبنانية، بإبطال تدابير الأمن العام بمنعه من الولوج إلى مراكزها للدفاع عن موكليه الأجانب المحتجزين فيها وبإلزام الدولة بتسديد المحامي زخور مبلغاً قدره عشرون مليون ليرة لبنانية تعويضاً لما لحق به من ضرر أدبي ومادي. وقد استند القرار آنذاك إلى مبادئ استقلالية المحامي والمحاكمة العادلة وعلّقت عليه المفكرة القانونية بمقال بعنوان معبّر: “شورى الدولة في لبنان يدعو الأجهزة الأمنية إلى احترام استقلالية المحامي: المحاكمة العادلة خط أحمر، حساسية الأمن العام ليست كذلك”.
على أمل أن تنتهي هذه القضية إلى تصويب أداء المحكمة العسكرية ضماناً لاستقلالية المحامي في الدفاع عن موكله والمحاكمة العادلة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى